* نص الاستشارة:
لديَّ مشكلة تخص الدراسة، ألا وهي الخوف من الإختبارات لدرجة كبيرة جدًا، الحمد لله ربي أعطاني موهبة الحفظ، وهي أني إذا حفظت شيئًا لا أنساه أبدًا، وهذا كان يفيدني في الدراسة، وأستطيع المذاكرة بشكل جيد، وإذا سألوني أعرف الجواب، لكن إذا جاء وقت الامتحان لا أدرس مع أن السبب ليس عدم قدرتي على الدراسة، لكني أخاف من كلمة إمتحان، وفي الجامعة تعبت كثيراً، لأن المواد كثيرة وطويلة، وتحتاج أن أحفظها في يوم واحد لأريح رأسي، لأني لا أستطيع جمع كل تلك المعلومات في عقلي طوال الوقت، وفشلت في الجامعة، وخوفي كان السبب، وأظن أني مصابة بالعين، حيث أصبحت لا أنام أيام الإمتحانات ولا أستطيع الأكل، وأبكي كثيرًا، والآن أفكر في ترك الدراسة لأني تعبت منها بشدة، لكني أعلم أني بدون دراسة لا أساوي شيئا، أرشدوني ماذا أفعل؟
¤ الـــــرد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إن الخوف غريزة كامنة في النفس الإنسانية، تنمو لسبب معين، وتخبو بتلقي العلاج المناسب في الوقت المناسب، والخوف هو مرض نفسي بحت، ولكنه مسبب لأمراض عضوية ونفسية أيضا، وللخوف أشكال منها: الخوف المستحب، والخوف المرضي.
أما بالنسبة للخوف المستحب فهو قول الله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين} أي أن الخوف المستحب هو خوف المؤمن من ربه، أما بالنسبة للخوف المرضي فهو من الأمراض الفتاكة، وهو في داخل الإنسان المريض، ويرافقه طوال الوقت، وهذا المرض سبب مباشر للكثير من الأمراض العضوية.
أما الخوف من الامتحان: فإن أعراضه:
أ= وساوس نفسية تبدو على الإنسان في هيئة تخيلات وتوهمات من النسيان إن نام الإنسان..
ب= تجنب كل ما من شأنه أن يوصل إلى النسيان كالنوم ومخالطة الآخرين..
ج= إعادة أي حالة غير طبيعية إلى المرض المتوهم حتى إن المرء يخاف من النوم مثلاً لئلا يكون ذلك بمثابة الدليل على إصابته بالنسيان، وكالذي يخاف من مرض السرطان فإنه يخشى من كل تورم يظهر في جسمه لئلا يكون ذلك تورما سرطانيا..
وبالتالي من الممكن أن يكون مدخلاً إلى علاجك..
ـ معالجة الخوف من الأمراض عن طريق الدين أمر فيه فائدة عظيمة على النفس الإنسانية، ولكنه لا ينفصل عن الأخذ بالأسباب لإتمام عملية التوكل. قال الرسول صلى الله عليه وسلم «أعقلها وتوكل» فعندما ينتشر وباء ويخاف الإنسان على نفسه الإصابة به، عليه التوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء بالحفظ والرعاية ثم العمل بالأسباب الفاعلة.
فإذا كنت تخافين من مرض النسيان عليك بالدعاء والتبتل إلى الله، ثم نيل القسط المناسب من النوم لراحة العقل والبدن بعد المذاكرة الجيدة للمواد الدراسية المعنية..
عليك أختي الفاضلة ألا تنسي هنا أمورًا غاية في الأهمية عند المسلم:
= التوجه إلى الله بالدعاء بالحماية والرعاية كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل... وأعوذ بك من الصمت والبكم والجنون والجذام والبرص وسيئ الأسقام».
«اللهم متعني بسمعي وبصري حتى تجعلها الوارث مني، وعافني في ديني وفي جسدي».
«اللهم إني أسألك العفو والعافية في دنياي وديني وأهلي ومالي،اللهم استر عورتي وآمن روعتي، وإحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بك من أن أغتال من تحتي».
«اللهم اجعل أوسع رزقك عند كبر سني وانقطاع عمري»..
= التعاون مع الأمر المحتوم بـ: الصبر بقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٦:١٥٥].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة».
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له».
ثم: بالقرآن والرقى الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أخبر سبحانه وتعالى عن كتابه أن فيه شفاء للمؤمنين قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}.. [الإسراء: ٨٢].
قال ابن القيم: و-ما- ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، فإن القرآن كله شفاء، كما قال في الآية المتقدمة، فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشك والريب فلم ينزل الله سبحانه وتعالى من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع من القرآن.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فإستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيت هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: والله إني لأرقي، ولكن والله لقد إستضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لي جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فإنطلق يتفل عليه ويقرأ: {الحمد لله رب العالمين} فكأنما نشط من عقال فإنطلق يمشي وما به قلبة، فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم. إقتسموا، فقال الذي رقى: لا نفعل حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم، فذكروا له ذلك فقال: «وما يدريك أنها رقية»؟ ثم قال: «قد أصبتم، اقتسموا واضربوا لي معكم سهما».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فزع أحدكم في أزمة فليقل: بسم الله، أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وشر عباده، ومن شر الشياطين أن يحضرون»، ولك أن ترقى نفسك.
وأخيرا أختي الفاضلة: دعي الخوف وابدئي الحياة...
بعد كل هذا أن لم تجدي الأمر أفضل فإرجعي لإختصاصي نفسي.
وفقك الله لما فيه الخير وأعانك على نفسك.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.